فلسفة الفلسفة، في 25 أبريل 2016، (مجديات أخي الحبيب الراحل المقدم مجدي صقر، رحمه الله، وطيب ثراه)!

الحمد لله رب العالمين،
“دَاوَيْتَ مُتَّئِدًا وَدَاوَوْا طَفْرَةً وَأَخَفُّ مِنْ بَعْضِ الدَّوَاءِ الدَّاءُ”
!

قديمًا كان في أوروبا شابٌّ طموح (الإسكندر الأكبر). كان الملك الشاب يريد أن يغير العالم أو يوحده أو يمتلكه. بذل في سبيل ذلك جهدا كبيرا، وحقق إنجازات عظيمة، لكنّه في خضمّ انتصاراته لم يمنح نفسه الوقت الكافي ليفكّر فيما يجب عليه أن يقدّمه للعالم بعد امتلاكه! امتلك الإسكندر الهند، وجعل عليها واليًا وحامية، وما إن مات الإسكندر حتى أطاح الهنود بالوالي المقدوني، و نصبوا على عرش البلاد ملكًا وطنيًّا، لكن المفاجأة المحزنة والطامة الكبرى هي أن الملك الوطني كان أشد قسوة وظلما وحمقا ورعونة من الوالي المقدوني! أدرك الفلاسفة الهنود أنّ عليهم واجبًا وطنيًّا وتاريخيًّا يجب عليهم القيام به؛ فحاول أحدهم أن يقدّم النصح المباشر للملك؛ فأمر بقتله! أدرك الفلاسفة الهنود أن المشكلة أشد تعقيدا وأعمق من أن تفهم على عجل، ولا بد عليهم من الرويّة في فهم وتحديد طبيعة وحجم المشكلة التي تعاني منها بلادهم، ومن ثم علاجها وإيجاد الحل المناسب لها.
لمّا كانت الفلسفة هي معرفة أصول الأشياء، وكانت الحكمة هي معرفة الخير والجمال والكمال، وكان الطبّ هو التحديد الدقيق للعلّة والمرض ومن ثم تعيين الدواء المناسب له- لذا فإن مهمة الفلاسفة في الوجود هي محاولة التحديد الدقيق للمشكلات التي يعاني منها المجتمع ثم العمل على إيجاد حل مرن ومناسب لها. أمّا فلسفة الفلسفة وحكمة الحكمة وطبّ الطبّ فهي أن تفعل ذلك بشخص سطحي الفهم لا يدرك إلّا ظواهر الأشياء وأحمق لا يريد الحكمة ومريض لا يعترف بحقيقه مرضه فضلا عن أنّه لن يقبل الدواء. أدرك الفلاسفة الهنود أنّه يجب عليهم أن يعاملوا المشكلة كما هي ولا يتهربوا من مواجهتها -مهما كانت النتائج!- فتقدّم الفيلسوف بيدبا إلى الساحة، وأخذ في تعليم وتثقيف وتنوير الملك بالأسلوب والطريقة التي تناسب تفاهته ورعونته وحماقته واندفاعه.
مصر تعاني أزمة حضاريّة تتمثل في عنصرين أساسيين:
1) ضلالات العلماء.
2) تفاهة النخبة.
هناك فارق كبير بين تحصيل العلم وتحقيق الفهم والقدرة على الاستنباط وابتكار الحلول المناسبة للمشكلات؛ فليس للكثير من علمائنا القدرة على التحديد الدقيق للمشكلات التي نعاني منها إلا من رحم ربي، فضلا عن القدرة والبراعة في إيجاد حلول ناجعة لها. ونتيجة عقود طويلة من رداءة التعليم على كل مستوياته أصبح لدينا قطيع من أشباه المثقفين يفسدون ولا يصلحون؛ فلا وعي لديهم أو فهم أو إدراك! أصبح لدينا قطيع من أشباه المثقّفين، لا همّ لهم إلا التكرار السقيم والعقيم لحماقات وآراء فلاسفة الغرب والتشبّه بهم ونقل ونشر أفكارهم العبثيّة بين أطياف العامة والبسطاء! أصبح لدينا قطيع من أشباه المثقّفين ليس لديهم أدنى قدرة على فهم المجتمع وأطيافه وخصائصه، ولا على التفرقة بين المهم والأهم أو اللازم والتافه! إنّ فساد الخاصة وضلالهم أدّى بالتبعيّة إلى فساد العامة وانحراف المجتمع، والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه!
الآن نحن نحتاج إلى تضافر جميع الجهود لمعرفه وتحديد ما يلزمنا فضلا عن معرفه كيف الوصول إليه وتحقيقه. نحن نحتاج إلى تعليم العلماء! نحن نحتاج إلى تثقيف المثقّفين! نحن نحتاج إلى تهذيب المجتمع! ولأنّ هذا الأمر غاية في الصعوبة يلزم متخذ القرار أن يعامله برويّة وهدوء وحذر، والله أعلم، حفظ الله مصر والمصريين!

Related posts

Leave a Comment